كيف يكون هناك ملائكة يعلمون الناس السحر
ثم قال: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [البقرة:102]، هذا موضع الإشكال في الآية، ما هو المعنى؟ ما هو المراد وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [البقرة:102]؟ هل "ما" هنا موصولة فيكون المعنى هكذا: اتبعوا ما تتلوه الشياطين وتقرؤه وتبثه على عهد سليمان وما كفر سليمان ولكن الذين كفروا هم الشياطين حيث كانوا يعلمون الناس السحر والذي أُنزل على الملكين ببابل؟، يعني: أن هذا السحر أُنزل على الملكين ببابل، من هما؟
هاروت وماروت، وَمَا يُعَلِّمَانِ يعني: هذين الملكين هاروت وماروت، مِنْ أَحَدٍ، يعني: شيئًا من السحر، حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، فعلى هذا المعنى الذي ذهب إليه جماعة كثيرة من السلف فمن بعدهم يكون المقصود أن هؤلاء اليهود اتبعوا السحر، اتبعوا ما تتلوه وتبثه الشياطين أيام سليمان ، وسليمان بريء من ذلك، ولكن هؤلاء الذين كفروا هم الشياطين حيث كانوا يعلمون الناس السحر ويعلمونهم الذي أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، هذا المعنى ذهب إليه كثير من المفسرين ومنهم كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله، ومنهم الحافظ ابن كثير، وطائفة كبيرة جدًّا.
لكنهم افترقوا في توجيه ذلك، فكبير المفسرين ومن نحا نحوه وهم كثير، قالوا: إن هؤلاء الملائكة الذين أُنزل عليهم السحر ببابل كان ذلك فتنة للناس كما قال الله : وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، فإذا قيل لهؤلاء العلماء: كيف يقع هذا من ملائكة وهم لا يعصون الله ما أمرهم؟